تواجه سنغافورة تحديًا متصاعدًا يتمثل في استقطاب شركات التكنولوجيا العالمية لمواهبها الوطنية، في وقت تسعى فيه الدولة للحفاظ على موقعها الريادي كواحدة من أكثر الاقتصادات ذكاء رقميًا.
فمنذ سنوات، أولت الحكومة السنغافورية أهمية كبرى لتوظيف نخبة الكفاءات التكنولوجية داخل القطاع العام، ولا سيما عبر وكالة التكنولوجيا الحكومية GovTech، التي تهدف إلى منافسة وادي السيليكون في مستوى القدرات البشرية.
ولم يكن الأمر مجرد شعارات، إذ سعى رئيس الوزراء السابق لي هسين لونغ بنفسه إلى استقطاب الكفاءات السنغافورية العاملة في كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، مثل "غوغل" و"فيسبوك"، لإقناعهم بالعودة والمساهمة في مشاريع وطنية.
ولتسهيل ذلك، أطلقت الدولة برامج قصيرة مثل Smart Nation Fellowship، التي تمنح الموهوبين فرصة العمل لعدة أشهر داخل المؤسسات الحكومية، في تجربة غالبًا ما تُسفر عن نتائج مزدوجة؛ فإما أن يعود المشاركون لمسارهم الخاص بعد نقل خبراتهم، أو يقررون البقاء بشكل دائم في الخدمة العامة، بحسب تقرير نشره موقع "restofworld" واطلعت عليه "العربية Business".
لكن مع تزايد حضور الشركات التكنولوجية الكبرى في سنغافورة، وآخرها افتتاح "OpenAI" مكتبًا لها عام 2024، أصبح القطاع العام يواجه صعوبة أكبر في الاحتفاظ بموظفيه.
إذ توفر هذه الشركات رواتب مغرية وموارد ضخمة تجعل من الصعب على المؤسسات الحكومية المنافسة.
ورغم أن موظفي الخدمة المدنية في سنغافورة من الأعلى أجرًا عالميًا، يبقى هناك سقف لا تستطيع الحكومة تجاوزه، خشية فقدان توازنها أمام الرأي العام.
ويؤكد خبراء في "GovTech" أن المال ليس كل شيء.
فالكثير من الكفاءات تجد في العمل الحكومي قيمة معنوية أكبر تتعلق بالشعور بالهدف والمساهمة في مستقبل البلاد.
أحد أبرز الأمثلة هونغ يي لي، مدير منتجات الحكومة المفتوحة، الذي عمل سابقًا في "غوغل"، لكنه اختار البقاء في "GovTech" رغم الفوارق المالية، مدفوعًا بإرث عائلته السياسي وإيمانه بدور التكنولوجيا في تعزيز رخاء الدولة.
وتكمن خصوصية النموذج السنغافوري في أن الدولة نفسها تقود عملية التحول الرقمي، بعكس العديد من الدول التي تكتفي بدور المراقب.
لكن هذا النموذج ليس سهل النسخ في أماكن أخرى، إذ تستفيد سنغافورة من كونها دولة ذات هرم حكومي موحد، ما يمنحها مرونة وسرعة في صياغة الاستراتيجيات الرقمية.