تواجه أكبر 10 اقتصادات في العالم معضلة ديموغرافية نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة إلى ما دون عتبة الإحلال البالغة 2.1 طفل لكل امرأة، مما ينذر بتقلص القوى العاملة، وشيخوخة السكان، وتزايد الضغوط الاقتصادية.
تظهر بيانات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة أن دولاً مختلفة، مثل الصين وألمانيا واليابان والولايات المتحدة والهند، تتجه نحو نفس المسار (دون مستوى الإحلال)، دون أي مؤشر على أي تراجع.
ولكن كيف يمكن للحكومات تخفيف الصدمة الاقتصادية في ظل تقلص القوى العاملة، التي تترك لدعم أعداد متزايدة من المتقاعدين، مما يثقل كاهل المعاشات التقاعدية وأنظمة الرعاية الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي؟ بحسب تقرير موسع لـ"Newsweek"، اطلعت عليه "العربية Business".
يشير الخبراء إلى مزيج من العوامل الاقتصادية والثقافية والسياسية. في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، تؤجل النساء الزواج والإنجاب بينما يحاولن الموازنة بين حياتهن المهنية. كما أن ارتفاع تكاليف السكن، ونفقات رعاية الأطفال، وعدم اليقين بشأن الوظائف والرعاية الصحية، يثقل كاهل الأسر الشابة.
انخفض معدل الخصوبة في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي بلغ 1.59 في عام 2024، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد نسبة النساء اللواتي يؤخرن الإنجاب.
في الوقت نفسه، تعيش الصين تحت وطأة سياسة الطفل الواحد، التي خففت إلى سياسة الطفلين في عام 2016، ثم إلى سياسة الأطفال الثلاثة في عام 2021، في مسعى متأخر لزيادة المواليد.
ولكن عقود من القيود دفعت معدلات الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال بكثير، وعلى الرغم من الجهود اللاحقة لتخفيف الضوابط، استمر انخفاض المواليد. تبلغ بعض المقاطعات الآن عن معدل خصوبة أقل من 1.0، مما يثير مخاوف من أزمة ديموغرافية تتفاقم بسبب الشيخوخة السريعة وقلة الهجرة.
ساعدت الهجرة في تخفيف وطأة الأزمة في أميركا الشمالية وأوروبا. لطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الهجرة لتعويض شيخوخة السكان. وتستهدف كندا 395,000 مقيم دائم جديد هذا العام. فيما سهلت ألمانيا قواعد منح التأشيرات للعمالة الماهرة في مجالات الصحة والتكنولوجيا الحيوية.
في المقابل، تقبل اليابان والصين عدداً قليلاً نسبياً من العمال الأجانب، مما يتركهما مع عدد أقل من الموارد الديموغرافية، على الرغم من أن اليابان اعتمدت في السنوات الأخيرة سياسات أكثر ملاءمة للمهاجرين، وسجلت العام الماضي أعلى عدد على الإطلاق بلغ 3.77 مليون أجنبي، أي ما يقارب 3% من السكان.
تركت الأزمات الحكومات أمام خيارات محدودة، معظمها لجأت إلى جعل تربية الأطفال في متناول الجميع. في دول مثل فرنسا ودول الشمال الأوروبي، الرائدة في دعم رعاية الأطفال وإجازة الوالدين المدفوعة الأجر، تحافظ على معدلات خصوبة أعلى نسبياً من أقرانها.
بينما في الولايات المتحدة، أصدر الرئيس دونالد ترامب في فبراير أمراً تنفيذياً يهدف إلى خفض تكلفة عمليات الحقن المجهري، وطرح "مكافآت المواليد". ومع ذلك، يقول النقاد إن هذه الخطوات لا تكفي دون إصلاحات أوسع نطاقاً لرعاية الأطفال والرعاية الصحية.
صرحت كريستين رو-فينكباينر، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "مومز رايزنج" للرعاية الاجتماعية، لشبكة "ABC": "لقد حظي هذا الرئيس بفرص لا حصر لها لدعم السياسات المجربة والمثبتة التي تحسّن من صحة الأسر واقتصادنا، لكن إداراته فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك".
يلقي انعدام الأمن الوظيفي للشباب بثقله في إيطاليا وإسبانيا، اللتين تعانيان من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، مما يعيق تكوين الأسرة.
دفع ارتفاع معدلات البطالة المستمر بين الشباب دون سن 25 عاماً في الصين ما بعد الجائحة الحكومة إلى تغيير منهجيتها، والتقليل من التقارير الإحصائية. كما تعدّ الشكوك الاقتصادية، وتغير المواقف بين الأجيال، وثقافة العمل المعتادة (من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً، ستة أيام في الأسبوع) من العوامل الرادعة التي يستشهد بها كثيراً.
تقع الهند، الدولة الأكثر سكاناً في العالم، أيضاً في فئة أقل من نسبة الإحلال السكاني، حيث بلغ معدل الخصوبة 1.9 في يونيو، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان. رغم أن الشباب لا يزالون يشكلون شريحة سكانية صغيرة، إلا أن الخبراء يحذرون من أن "نافذة الفرص" قد تضيق في العقود المقبلة.
صرحت بونام موتريجا، المديرة التنفيذية لمؤسسة السكان الهندية، لبي بي سي في مقابلة عام 2022: "لدينا القدرة على الاستفادة من إمكانات الشباب، لكننا بحاجة إلى الاستثمار في تعليم المراهقين وصحتهم الجنسية على الفور إذا أردنا جني ثمار ذلك".