بعد سنوات من الجدل العلمي حول الخطوط الداكنة التي تغطي منحدرات كوكب المريخ، يبدو أن اللغز يقترب من الحل.
فبيانات جديدة التقطها مسبار وكالة الفضاء الأوروبية "إكسومارس"، وتحليل إحصائي متقدم استخدم الذكاء الاصطناعي، يشيران إلى أن هذه الخطوط الغامضة لا تنتج عن مياه مالحة كما كان يُعتقد، بل عن تحركات الغبار والرمال والرياح التي تنحت سطح الكوكب الأحمر في مشهد مدهش يجمع بين العلم والجمال الكوني.
تُعرف الخطوط الداكنة التي تظهر على منحدرات كوكب المريخ باسم الخطوط المنحدرية المتكررة (RSL)، وهي ظاهرة شائعة لطالما حيّرت العلماء.
وظهرت هذه الخطوط الموسمية الداكنة إما نتيجة ذوبان رقع من المياه المالحة المتجمدة أو بسبب تحرك الرمال الجافة على المنحدرات.
ورغم أن السبب الدقيق لا يزال غير محسوم، فإن أبحاثاً حديثة بدأت تكشف المزيد من خيوط هذا اللغز المريخي، وفق ما نقل موقع "سيانس أليرت".
ففي ديسمبر 2023، التقط مسبار وكالة الفضاء الأوروبية "إكسومارس تريس غاز أوربيتر" (ExoMars TGO) صوراً لخطوط تشكّلت إثر انهيار ترابي غباري على منحدرات جبل أبوليناريس (Apollinaris Mons)، وذلك في ليلة عيد الميلاد.
الصور، التي التقطها نظام التصوير السطحي الملوّن والمجسّم (CaSSIS) على متن المسبار، أظهرت تجمعاً خفيفاً لفوهات نيزكية وآثاراً داكنة في أسفل المنحدر.
فيما كانت هذه الخطوط محور دراسة بعنوان "الغبار والرمال والرياح تدفع تشكّل الخطوط المنحدرية على المريخ" نُشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications).
بدوره أوضح فالنتين تيرتيوس بيكل، الباحث في مركز دراسات الفضاء وقابلية الحياة بجامعة برن في سويسرا، أن الأدلة الإحصائية الحديثة تشير إلى أن هذه الخطوط قد تنتج عن عوامل "جافة" وغير موسمية، مثل النيازك، والزلازل المريخية، والرياح.
لكن بيكل أشار إلى أن القياسات الكمية الدقيقة لمعدل تشكّل هذه الخطوط وتكرارها لا تزال محدودة.
ولذلك، استخدم الباحث بيانات الخطوط التي رصدها مسبار استطلاع المريخ التابع لوكالة ناسا (MRO) بين عامي 2006 و2024، مستعيناً بخوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل أكثر من مليوني خط مرصود.
ومن خلال ذلك، وضع ما سماه "تعداد الخطوط" الذي أظهر أن معظم هذه الظواهر تتركز في خمسة مواقع رئيسية على سطح المريخ خلال السنوات التسع عشرة الماضية، وأن نحو 0.1% فقط من هذه الخطوط يمكن أن تُعزى مباشرة إلى أحداث مثل النيازك والزلازل المريخية.
وتوفر هذه النتائج أدلة مهمة قد تساعد في حسم الجدل حول أسباب تشكّل الخطوط الداكنة على المريخ، كما تسهم في فهم القوى الديناميكية التي تشكل مناخ الكوكب الأحمر على المدىين الموسمي وغير الموسمي.
ويأمل العلماء أن تسهم هذه الأبحاث في الإجابة عن الأسئلة الكبرى حول المريخ: كيف ومتى اختفت مياهه السطحية؟ وأين ذهبت؟ وهل كان في يوم من الأيام قادراً على احتضان الحياة؟
وتُعد هذه الأسئلة في صلب أهداف تسع بعثات فضائية تديرها خمس وكالات دولية تستكشف المريخ حالياً، في وقت تُخطط فيه وكالات الفضاء لإرسال مزيد من البعثات الآلية، تمهيداً لرحلات بشرية مأهولة قبل منتصف هذا القرن.